
جامعة القدس المفتوحة
منطقة الخليل التعليمية
برنامج التربية
اللغة العربية وأساليب تدريسها
بحث بعنوان:
صورة المحبوبة في شعر
مجنون ليلى
تقديم الطالب:
محمد جمال علي الطميزي
الرقم الجامعي:
015001042024
إشراف الأستاذة:
أسماء شاهين
قُدِّم هذا البحث
استكمالا لمتطلبات نيل درجة البكالوريوس في اللغة العربية وأساليب تدريسها -
برنامج التربية
صفر 1434هـ - كانون
أول 2012م
P
]وَفَوْقَ
كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَليمٍ[
يوسُف:76
الإهداء
إلى سلطان جنتي وركن عزي وفخاري: أبي العزيز
إلى روح والدتي الطاهرة – رحمها الله وأسكنها فسيح
جناته –
إلى زوجتي الغالية
إلى أولادي جمال ، لميس ، ميس
إلى أخوتي وأقاربي
إلى أرواح شهداء فلسطين الذين رووا بدمائهم ثرى هذه
الأرض المباركة
إلى الأسرى البواسل القابعين في سجون الظلم والاضطهاد
إلى روح الجامعة المتجدد طلابا وطالبات
إلى الثورة السورية وشعبها البطل
أهدي ثمرة جهدي المتواضع عملا خالصا لوجهه تبارك
وتعالى
((قل هذه سبيلي
أدعو على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين ))يوسف
(ج13: آية 108)
الشكر والتقدير
((ربِّ
أوزعْني أن أشْكًرَ نعمتَك التي أنعمْتَ عليَّ وعلى والديَّ وأن أعملَ صالحاً
ترضاهُ وأَدخلْني بِرحمتِك َفي عبادِكَ الصّالحينَ))النمل ج19- آية 19
الحمد لله العظيمُ
سلطانه الجزيلُ إحسانه ذو النعم السوابغ والفضل الواسع والحجج البوالغ ،أحمده
تعالى وأشكره شكرا لا انقطاع له ،ولا حدود له كما ينبغي لجلال وجه وعظيم سلطانه
؛على ما أنعم علينا من نعمة الإيجاد إلى
نعمة الإمداد إلى نعمة الهدى
والرشاد،وأصلي وأسلم على خير من وطــــئ الثرى نبيه المصــطفى محمد بن عبد الله؛
صلاة تشـــــرح بها يارب صدورنا وتغـــفر بها ذنوبنا وتســــتر بها
عيوبنا وتــرد بها شر الفـــــتن عــــنا .
ورضي اللهم عن صحابته
الغر الميامين؛ أبي ببكر، وعمر،
وعثمان، وعلي، الذين سعدوا في حياتهم وأسعدوا البشرية من بعدهم ومن اقتفى أثرهم من
التابعين وتابعيهـــم بإحسان إلى يوم الدين وبعـــــــــد..
فإني وبعد أن رأى هذا
البحثُ النورَ بعد توفيق الله تعالى لي والشكر له،أتوجه بخالص شكري إلى الأستاذة أسماء شاهين المشرفة على هذا العمل مرشدة
وموجهة وقد أنارت لي الطريق ووقفت إلى
جانبي في كل خطوة وكان لتوجيهاتها القيمة وأفكارها النيّرة الأثرَ الكبيرَ في
إثراء هذا المشروع وإنجازه ،كما وأتوجه بالشكر إلى الأستاذ مراد الطميزي الذي كان
له الأثر في إتمام هذا البحث ،كما وأشكر أساتذة برنامج التربية، وأخص بالذكر
أساتذة اللغة العربية شاكراً لهم ما أفاءوا علينا من علمهم ومعرفتهم ،سائلا المولى
عز وجل أن يجزيهم عنا خير الجزاء،كما وأشكر كل من ساهم في
إنجاز هذا العمل المتواضع ولو بكلمة.
المقدمة
:
الحمد لله العظيمُ
سلطانه الجزيلُ إحسانه الواضح برهانه ؛ ذو النعم السوابغ والفضل الواسع والحجج
البوالغ،والصلاة والسلام على النبي المصطفى وآله
وصحبه ومن اقتفى وبعد،،
فإن
للأدب العربيِّ أهميةً كبيرةً ، ومكانةً عظيمةً في لغتنا العربية ، حيث إنَّه
الرّكن الثاني من أركان اللّغة العربية بعد العلوم اللّغوية ، والصرفيّة ، وهذا
الأدب الذي يمتدُّ من العصر الجاهليِّ حتى عصرِنا الحاضر ، بما يتضمن من آداب ،
ومن هذه الآداب ؛ الأدب في العصر الأموي الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالشعر والأدب
في العصر الإسلامي .
وكان أبرز مافي هذا العصر بروز الغزل
العذري وما ضمته هذه المدرسة من شعراء كان منهم مجنون ليلى صاحب أشهر قصة غرام في
التاريخ حيث كان من قوله :
ولا
خير في الدنيا إذا أنت لم تزر حبيبا
ولم يطرب إليك حبيب
ومن
هذا المنطلق كان من الشعراء العذريين الذين تفردوا بعشقهم على سائر الناس فتوحدوا
بمحبوبة واحدة ولم يرضوا عنها بديلا وفضلوا الروح على الجسد ؛لأن حبهم سما على
معانيه فشاعرنا سما بحبه وتفرد في بحياته بعد زواج محبوبته وفراقها وماكان لذلك من
أثر عليه والحزن والأسى الذي أصابه .
وقد
تتطرقت في بحثي هذا إلى دراسة حياة الشاعر ونشأته وصورة المحبوبة ليلى في شعر
المجنون والصور التي صور بها المجنون معشوقته ليلى التي أسرتْه وقلبَه ؛ وإنني
أرجو الله أن أكون قد أبرزت ولو بإيجاز شيئا عن شاعرنا .
الفصل الأول
1.التعريف بالشاعر وقبيلته
2.التعريف بمحبوبة الشاعر
3.الأغراض الشعرية للشاعر مجنون ليلى
التعريف
بالشاعر :
مجنون
ليلى هو قيس وقيل مهدي والصحيح قيس بن الملوح بن مزاحم بن عدس بن ربيعة بن جعدة بن
كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ومن الدليل على أن اسمه قيس قول صاحبته ليلى :
ألا
ليت شعري والخطوب كثيرة متى رحل قيس
مستقل فراجع([1])
وأخبر
الحسن بن علي قال:"حدثنا أحمد بن زهير قال:سمعت من لا أحصي يقول :اسم المجنون
قيس بن الملوح "([2])؟وقد
حدث هشام بن محمد الخزاعي قال :حدثنا الرياشي :وأخبر الجوهري عن عمر بن شيبة
الأصمعي يقول:لم يكن مجنونا ولكن كانت به لوثة كلوثة أبي حية النميري.
وحدث
إسماعيل بن مجمع عن المدائني قال :المجنون المشهور بالشعر عند الناس صاحب ليلى قيس بن معاذ من بني
عامر ثم من بني عقيل أحد بني نمير بن عامر بن عقيل قال : ومنهم رجل آخر يقال له
:مهدي بن الملوح من بني جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. ([3])
ويذكر ابن قتيبة أنه هو قيس بن معاذ، ويقال قيس بن الملوّح. أحد بنى جعدة بن كعب ابن ربيعة بن
عامر بن صعصعة، ويقال بل هو من بنى عقيل بن كعب بن ربيعة.
ولقبه المجنون لذهاب عقله لشدّة عشقه. ([4]).
ولقبه المجنون لذهاب عقله لشدّة عشقه. ([4]).
قبيلته :
هو من بني عامر؛ فعامر بن صعصعة بطن من بطون هوزان من قيس بن عيلان ، من
العدنانية وهم بنو عامر بن صعصعة بن
معاوية بن بكر بن هوزان بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن عيلان . ([5])
التعريف
بمحبوبته:
هي
ليلى بنت مهدي بن سعد بن ربيعة بن عامر ،كانت ترعى ماشية أهلها في جبل التوباد ،وهناك
التقت قيسا ، فإذا هما أولاد عمومة ومن حي واحد فتعارفا ،ودرجا صغيرين، علق كل
منهما الآخر حيث يقول قيس: ([6])
تعلقت
ليلى وهي غر صغيرة ولم يبد للأتراب من
ثديها حجـم
صغيرين
نرعى البهم ياليتنا إلى اليوم لم نكبر
ولم تكبر البهم
ولما
كبرا كبر حبهما ،وصار قيس ينظم شعره ويلتقي كل منهما الآخر ،حيث فضلها على كل بنات
القبيلة ،وكلما اقتربت منه إحداهن أعرض عنها حتى صار عشقه موضع حديث الناس ،حيث إنه
بعد رفض أبويها لزواجهما وزواجها من غيره ،جن قيس وذهب في الخلاء ،فكانت قصته التي
انتهت بمأساة حيث توفي الاثنان وهما روحان عاشقان لبعضهما.
الأغراض
الشعرية في ديوان مجنون ليلى:
لقد نظم المجنون أشعاره
في وصف محبوبته وما آل إليه بعد رحيلها عنه ولكنه قال في العديد من الأغراض
الشعرية المعروفة في الشعر العربي ومنها:
§
الرثاء:
يذكر
أبو بكر الوالبي في الديوان قائلا:لما مات الملّوح أبو المجنون بلغه ذلك فأتى قبره
وكانت له ناقة فنحرها على قبره وكانت العرب هذا شانها تفعل ذلك إذا مات منهم احد
وأنشأ يقول:
عقرت
على قبر الملوح ناقتي بذي الرمث لما أن
جفاه أقاربه
فقلت
لها كوني عقيرا فإنني غداة غد ماش
والأمس راكبه
فلا
يبعدنك الله بابن مزاحم فكل امرئ
للموت لا بد شاربه([7])
وقال
مخاطبا عمه أبا ليلى:
إلا
أيها الشيخ الذي ما بنا يرضى شقيت
ولا أدركت من عيشك الخفضا
شقيت
كما أشقيتني وتركتنــي أهيم مع
الهلاك لا اطعم الغمضا([8])
يوجه الشاعر كلامه إلى عمه الذي كان سبب تعاسته
بقسوة ذلك انه لم يرض به زوجا لابنته فيدعو عليه بالشقاء وقلة يد الحال في الرزق
،ويتمنى الشاعر لهذا الشيخ أن يبتلى بما بلي به فقد أشقى الشاعر وجعله يهيم في
فضاء الأرض على وجهه مع من مات من الحب ولم يعرف للنوم طعما.
ويقول
ناعيا ليلى :
أيا
ناعييْ ليلى بجانب هضبة أما كان ينعاها
إلي سواكـما؟
ويا
ناعيي ليلى بجانب هضبة فمن بعد ليلى لا
أُمّرت قواكما
ويا
ناعيي ليلى لقد هجتما لنا تباريح نوح
في الديار كلاكما
فلا
عشتما إلا حليفي مصيبة ومتما حتى يطول
بلاكـــما
وأسلمت
الأيام فيها عجائبا بموتكما إني أحب
رداكـــما
أظنكما
لا تعلمان مصيبتي لقد حل بين الوصل
فيما أراكما
يخاطب
الشاعر من أتياه يحملان نبأً صاعقا مفاده أن ليلى وُريت التراب بجانب هضبة . ما
أحب أن يسمع نبأ كهذا فلو أن غيرهما بلغاه الخبر ما حمل لهما ضغنا وكراهية([9]).
§
الهجاء
:
حيث
قال يهجو زوج ليلى :
فإن
كان فيكم بعل ليلى فإنـــني وذي العرش قد قبلت فاها ثمانيا
واشهد
عند الله أني رأيتـــــها وعشرون منها أصبعا من ورائيا
أليس
من البلوى التي لا شوى([10])لها بان زوِّجتْ كلبا وما بذلت ليــا
يريد
الشاعر أن يثير غيرة زوج ليلى وأنه قبّل فمها ثماني مرات ويقسم بالله على صدق ما
يدعي ، ويظهر الشاعر سخطه من لعبة القدر متسائلا أليس من البلوى أن تزوج ليلى
وببساطة من كلب لم تزف له؟
ومن الهجاء أيضا:
ألا ياليل إن ملِّكتِ
فـينا خياركِ فانظري لمن الخيار
ولا تستبدلي مني دنــيا ولا برما إذا حب القتــار
يهرول في الصغير إذا
رآه وتعجزه ملمات كبــــار
فمثــل تأيـم منه نكـاح ومثل تمول منه افتقــــار
يظهر الشاعر في هذه
الأبيات هجاءه لخصمه اللدود ورد بن محمد العقيلي الذي تقدم لخطبة ليلى .
§
الدعاء:
يقول داعيا الله أن يقربه
من ليلى:
عسى
الله أن يجري المودة بيننا ويوصل
حبلا منكم بحبالــيا
فكم
من خليلي جفوة قد تقاطعا على
الدهر لما إن أطالا التلاقيا
واني لفي كرب وأنت خلية لقد فارقت في الوصف حالك حاليا
عتبت
فما أعتبتني بمـودة ورمت فما
أسعفتني بـسؤالــيا
يتأمل
الشاعر من الله سبحانه وتعالى أن يجمع بينه وبين محبوبته ،ويبين الشاعر معاناته
وآلامه وهمومه بينما يرى أن ليلى لا تهتم له ولا يشغل بالها شاغل ولذا ثمة فارق
عظيم بينهما([11]).
§
الغزل
:
حيث إن الشاعر قيس بن الملوّح (مجنون ليلى) نظم جل ديوانه في
الشعر الغزلي ، والناظر في ديوان المجنون
يجد أنّ أكثره يتحدث عن الحب ، والحديث عن المرأة ،والغزل ،والتشبيب بالمحبوبة ([12])،ومن
ذلك قوله يصف حاله بعد فراقها قائلا:
سحرتني
ليلى بسواد عيونها إنما السحر في
سواد العيون
ومن ذلك أيضا :
بيضاء خالصة البياض كأنها قمر توسط جنح ليـل مبـرد
موسومة بالحسن ذات
حواسد إن الجـمال مظنـة للحُـسَّدِ
وترى مدامعها ترقرق مقلة سوداء ترغب عن سواد الإثمد
خوْدُ إذا كثر الكلام
تعوذت بحمى الحياء وان تكلّمْ تقصد
ومن ذلك:
أبوس تراب رجلك يا
لويلى ولولا ذاك لا أدعي مصابـا
ومابوس التراب لحب أرض ولكن حب من وطئ الترابا
جننت بها وقد أصبحت
فيها محباً
أستطيب بها العذابــا
ولازمت القفار بكل
أرض وعيشي
بالوحوش نما وطابا
الفصل
الثاني
صورة
المحبوبة في شعر المجنون
إن
الحب العذري موضوع استهلكه القدماء والمحدثون على السواء لقربه من النفوس وسهولة
تناوله أخذا وإعطاء وتطلع الناس إلى قضاء وقت ممتع به يستنشقون في أثنائه عشق
الماضي ويستمتعون بأخبار مشوقة طاهرة محببة للنفوس كلها .
والحب العذري هو حب
حتى الموت إذا بدا فلا نهاية له إلا بنهاية المحب ومنطلقه رهافة الحس وعفة النفس
وجمال صارخ في النساء العذريات وجبلة مركبة من الطباع تجري مجرى الدم .
وقد سئل أعرابي منهم
مابال قلوبكم كأنها قلوب طير ثنمات كما ينماث الملح في الماء ؟ أما تجلدون؟ قال :
"إنا لننظر إلى محاجر أعين لا تنظرون إليها".
وذكر أبو الفرج
الأصفهاني نقلا عن رجل من بني عامر رهط مجنون بني عامر ليلى قوله :"إنما يقتل
العشق هذه اليمانية الضعاف القلوب " ، وتعنتهم أمرُّ تعنتا ؛فيه قسوة
واستخفاف ، فقال : "إنما يكون هذا في هذه اليمانية الضعاف قلوبهم السخيفة
عقولها ، الصعلة رؤوسها"([13]).
ويعد قيسٌ من أئمة
الحب العذري ، فهو شاعر مرهف الحس بسيط الألفاظ، غير متصنع في شعره ؛لأنه كان محبا
صادقا ، والصورة في الشعر الصادق غير مصنوعة ، ولكن آتية بأجمل الأشكال التي صاغها
الحبيب الذي يعاني من الوجد مثل مجنون ليلى.
لقد صور قيس بن
الملوح محبوبته بأجمل الصور وذلك لشدة حبه لها وجنونه بها فاخذ يصورها بصور عديدة
مثل : الظباء والغزلان ، البدر ،القمر ،الشمس ،الخمر ،سرحة الروح ،زينة الدنيا
،الموت والحياة ،منى الكبد.
ولو تناولنا كل صورة
من هذه الصور بالتفصيل نستطيع أن نلمس مدى صدقه في التعبير عن حبه، والتعبير عن
جمال محبوبته ، فسوف نخوض في ذلك بشيء من التفصيل([14]).
§ الظبــاء:
فقد
وصف المجنون ليلى بالظباء وقهر الغزلان، قائلاً[15]:
إن
الظباء التي في الدور تعجبني تلك
الظباء التي لا تأكل الشجرا
لهن
أعناق غزلان وأعينـــها وهن أحسن من أبدانـها صورا
ولي
فؤاد يكاد الشوق يصــدعه إذا
تذكر من مكنونه الذِّكــرا
كانت
كدرة بحر غاص غائصها فأسلمــتها يداه بعدمـــا قَدَرا
يصور الشاعر محبوبته
بالظبي حيث يقول بأن الظباء التي تسكن الدور تعجبه وقد قصد بالتي تسكن الدور
الجميلات من النساء فهي تعجب الشاعر فهذه الظباء ليست التي تأكل الشجر فهناك ظباء
من الناس ومحبوبته ظبية بجمالها ورقتها وشفافيتها فهي موضع إعجاب الشاعر وهذه
النساء لها أعناق الغزلان وأما أعينها فمثل عيون الظباء وأبدانهن أجمل منها خلقا
وتكوينا فقلبه يكاد يتشقق إذا ما تذكر ما يخفيه في أعماقه من الذكريات ويصف
المجنون ظبيته ليلى ويصورها بأنها لؤلؤة في قاع البحر غاص يطلبها غائص فأسلمتها
يداه إلى القدر .
ويشبه
المجنون ليلى بالغزال ويقول بأن شبيه الغزال حياته([16]):
وذكَّرني
من لا أبوح بذكره محاجر
خشْفٍ([17])
في حبائل قانص
فقلت
ودمع العين يجري بحرقة ولحظي إلى
عينيه لحظة شاخـص
ألا
أيُّهذا القانص الخشف حلَّه وان
كنت تأباه فخذ بقلائــــصي
خَفِ
الله لا تقتلْه إن شبيهه حياتي
وقد أرعدت فرائــــصي([18])
ويقصد
الشاعر بالأبيات ، ذكَّرتني عيون خشف عالق في شباك الصياد بعيون من لا يبوح بذكره
وهي محبوبته ليلى ، فعيناها مثل عيون الغزلان فقال: ودمع العين يجري ولحظي الى
عينيه شاخص ، ويناشد الصياد بفك الظبي قائلا له : نياقي فدية لهذا الغزال واخشَ
أيها الصياد اللهَ ولا تقْتلْه ؛ لأنه شبيه ليلى حياتي ،وقد أفزعتني ،وأرعدت
فرائصي ؛فالمجنون يصور محبوبته بابن الغزال حيث دفع كل ما يملك من أجل ألا يقتل
الغزال ؛لأنه يرى فيه محبوبته التي لوعته بفراقها فكيف إذا ماتت .
وفي
موضع آخر يرى المجنون ظبية فيرى فيها مالكة قلبه ليلى فيقول: ([19])
ألا
يا شِبْه ليلى لا تُراعي ولا تنسل عن ورد التـــلاع([20])
يشبه
المجنون هذه الظبية بليلى ويناشدها بان لا تلتفت ولا ترد الأماكن العالية ، فإنها
تشبه ليلى لولا بروز القرن وشق أسفل القوائم.
ويقول
لظبي مر به وهو رائع الجمال قائلا له ([23]):
أقول
لظبي مر بي وهو رائع أأنت اخو ليلى
فقال: يُقال
أيا
شبه ليلى إن ليلى مريضة وأنت صحيح إن
ذا لمحال
فإلا
تكن ليلى غزالا بعينه فقد
أشبَهَتْها ظبية وغـزال
يخاطب
المجنون غزالا مر به سائلا إياه أأنت أخو ليلى؟ ؛لأنك جميل مثلها فكأن الغزال يرد
عليه فهو حاكى الغزال وكأن الغزال يرد عليه ويقول له هكذا يقال، وهنا ينطق ليرد
عليه ويبين المجنون للغزال بأن ليلى مريضة وإن الغزال معافى فهذا أمر محال ويقول
فإن لم تكن ليلى غزالا بعينه ،فقد جئت أيها الظبي تشبهها كل الشبه، وأظن حبها
سيتركني في أرض قفر بدون مال وبدون أهل ،ولا أحد أترك له وصيتي ولا من يصحبني سوى
ناقتي ورحلها، فحبها محا كل حب قبلها، وحلت من قلبي مكانا لم يحلُلْه أحد من قبل
سواها فحبي لها قد تمكن في أحشائي، ولم أر حبا يكون مثيلا له.
ومن
ذلك أيضا قوله: ([24])
تروح
سالما يا شبْه ليلى قرير
العين واسْتطب البقولا
فليلى
أنقذتك من المنايا وفكت عن قوائمك الكُبُولا
يصور الشاعر ليلى
بالغزال ،ولأنك تشبه ليلى اذهب وتغذى غذاءك الشهي في الحقول من بقول وغيره وتشابهك
من ليلى أنقذ حياتك من الموت وفك عنك القيود، فليلى السبب في إنقاذك من كبولك([25])
وقيودك.
§ البــــــــدر:
يرى
الشاعر صورة محبوبته بجمالها وإشراقها وكأنها البدر الذي يضيء عتمة الليل ومن ذلك
قوله: ([26])
أنيري
مكان البدر إن أفل البدر وقومي مقام
الشمس ما استأْخر الفجر
ففيك
من الشمس المنيرة ضوؤها وليس لها منك
التبسم والثغر
بلى
لك نور الشمس والبدر كله ولا حملت
عينيك شمس ولا بدر
رسم
الشاعر صورة لمحبوبته ليلى بأرق الكلمات الساحرة، قائلا لها أنيري مكان البدر إن
غاب البدر وحلي مكان الشمس إن تأخر الفجر، ففيك من الشمس المنيرة ضوْؤُها، و ليس
لها جمال ثغرك وابتسامتك، فلك جمال الشمس المنيرة ضوؤها وجمال البدر كله، و لكنهما
ليس لهما عينان كعينيك ،لا الشمس ولا البدر، ولك إشراقة البدر المتلألئ بطلعته
وليس لإشراقته منك الترائب والنحر.
رسم
المجنون محبوبته بأجمل الألوان وأبهاها لذا فهي بالنسبة له الشمس والقمر وأجمل
الأشياء الموجودة في دنياه ؛لأنه حصر تفكيره ونذر حياته لها لذا صاغ صورتها بأجمل
المعاني ،ومع أن الغزل العذري يتميز بالصدق والبعد عن الصنعة؛ إلا أن حب الشاعر
جعله يرسم لمحبوبته أجمل الصور حيث، جعلها بدره وشمسه اللذين يضيئان ظلمته وهو
هائم وحيد في البراري، فحبها دليل في ظلمة الليل الحالك.
ومن
ذلك قوله: ([29])
ومن
أين للشمس المنيرة بالضحى بمكحولة
العينين في طرفها فتر
وأنى
لها من دل ليلى إذا انثنت بعيني
مهاة الرمل قد مسها الذعر
تبسم ليلى عن ثناياها كأنها أقاح بجرعاء المراضين أو دُرُّ
منعمة
لو باشر الذر جلدهـا لأثر
منها في مدارجها الــذر
إذا
أقبلت تمشي تقارب خطوها إلى الأقرب الأدنى تقسمها البهر
مريضة
أثناء التعطف إنها تخاف
على الأرداف ثلمها الخصر
فما
أم خشف بالعقيقين ترعوي إلى رشأ
طفل مفاصله خــــدر
لقد شبه الشاعر
محبوبته في هذه الأبيات بالبدر والشمس ، وأخذ يقارن بينها وبين البدر مفضلا
محبوبيه ليلى على البدر والشمس والقمر متسائلا ومن أين للشمس المنيرة بعينين مكحولتين
مثل عينيك في طرفهما فتور واسترخاء؟ ويستحيل عليها أن يكون لها دلال كدلال ليلى
بزهر الأقاح حيث نمت في الرملة الجرداء كأنها الدرر فهي ناعمة الملمس منعمة لو دب
صغير النمل على جلدها لترك أثرا عليه ، وإذا أقبلت ليلى تكاد تطأ الأرض لخفة
خطواتها المتقاربة فليلى تمشي الهوينى فخطواتها متقاربة، ولا تقطع النفس إعياء
لسماع خطواتها، فهي رقيقة كل الرقة، وإذا انعطفت فانعطاف مريض متمهل كأنها تخاف
على أوراقها أن يجرحها الخصر فهي مثل صغير الغزال مبتلة بالندى كزهرة برية مليئة
بالنضارة والجمال يتساقط عليها المطر الخفيف من مطر أول الربيع، وبعد هذا المطر
الذي سقط على الأرض هب على روض زهر الخزامى نسيم عليل فاخضر وتلألأ بالندى وزهت
أوراقه من النضرة، فهو رائع الجمال وليست أم الظبي بأحسن حالا من ليلى فتعيد النظر
كلما التفتت يوم رحلت مع المسافرين.
ومما سبق نلحظ أيضا
أن مجنون ليلى قارن بين محبوبته وبين الشمس والبدر، وفد تفوقت ليلى عليهما لشدة
جمالها وحسنها فهي ناعمة هادئة وديعة مثل الظبي الصغير، وقد ابتلت بالندى كالزهرة
البرية دون أن يجرحها الخصر.
ويصف
ليلى في أبيات أخرى مصورا إياها بالبدر والنساء من حولها بالكواكب:
ألا
أيها القوم الذين وشوا بـــنا
على غير ما تقوى الإلاه ولا بــر
ألا
ينهكم عنا تقاكم فتنتــــهوا
أم أنتم أناس قد جبلتم على الكــفر
تعالوا
نقف صفـين منـــا ومنكم
وندعو إلاه الناس في وضح الفـجر
على
من يقول الزور أو يطلب الخنى ومن يقذف الخوْد الحصان ولا يدري
حلفت بمن صلت قريش وجمرت لـه بمنى يوم الإفـاضة والنـحر([30])
يقول الشاعر مخاطبا
القوم الذين قالوا فيه وفي محبوبته الكذب، وقالوا أنهم لا يخافون الله ولا يطيعوه،
يقول لهم ألا تخافون الله، ألا ينهاكم الله عنا فانتهوا من وشايتكم أم أنتم أناس
جبلتم على الكفر.
وقد حلف الشاعر بمن
حلت قريش له ورجمت بالحصى منى يوم وداع الكعبة الشريفة أول أيام عيد الأضحى حيث
صان محبوبته وهي البريئة العفيفة المطهرة من كل فحش ومنكر وأنها من النساء ذوات
الخضر والحياء لا تعرف الذل ولم تُشاهد يوما تنتقل ليلا بعد الهجيع، ولم يسمع
بمثلها بين النساء، ولم يعرف عنها يوما أنها تزينت لتبرز في يوم عيد الأضحى أو يوم
عيد الفطر .
فهي بيضاء كالشمس في
يوم صحو، مرهفة لم تخط شبرا خارج الخدر أو الرحل وهي البدر بين النساء وهن من
حولها مثل الكواكب، فشتان بين جمال البدر وسائر الكواكب، فإذا حاول أن ينظم الشعر
في غيرها أبى الشعر وذلك؛ لأن القلب يأبى أن يقول شعرا في غيرها فهي بدره ودنياه.
إن جمال الصورة في
شعر المجنون ينوب عن كل جمال، فالكواكب تظل موزعة حول البدر الذي يتسم بالكبر
والوضوح متميزا من بين سائر هذه الكواكب لسطوع نوره وجماله وامتداد هذا النور
وهكذا ليلى بالنسبة للنساء فهي الأجمل والمتألقة دائما، فهي من النساء كالبدر من
سائر الكواكب .
§ القمـــــر:
لقد
شبه الشاعر محبوبته في جمالها وسطوعها وضيائها بالقمر، ومع أن القمر كان سبب
فضيحته وهروبه من الحبيبة، حيث يقول: ([31])
قمر نم علـيه نـوره كيف يخفي الليل بدرا طلعا
رصد
الخلوة حتى أمكنت ورعى الساهر حتى هجعا
ركب
الأخطار في زورته ثم
ما سلم حـتى ودعـا
نلاحظ مما سبق أن
المجنون صور محبوبته بالقمر فيقول: وشى بي ،ودل عليه نوره وهل يستطيع الليل أن يجبّ
نور البدر إذا طلع .
رصد الخلوة حتى إذا أصبحت
ممكنة، ورعى الساهر حتى استغرق في نومه، وعرّض نفسه للأخطار في زيارته لكنه متعجل
فما سلم حتى ودع وارتحل فكان القمر من أسباب بيان خلوة الشاعر ،حيث إن نور القمر
كشفه ليشي به الواشون.
وقال
مصورا ليلى بالقمر: ([32])
بيضاء
باكرها النعيم كأنها قمر توسط جنح
ليل أســود
موسومة
بالحسن ذات حواسد إن الحسان مظنة للحـــسد
وترى
مدامعها ترقرق مقلة سوداء ترغب عن
سواد الإثمد
خوْد
إذا كثر الكلام تعوذت بحمى الحياء وان
تكلم تقصـد
صور الشاعر ليلى
لنشأتها المرفهة المنعمة بالقمر فهي بيضاء كأنها قمر يسطع في عتمة الليل الحالك
وذلك لشدة سطوع نورها وحسنها كما أنها معروفة بالحسن لذا كثر حسّادها، وحسن المرأة
يكن موضع الحسد من قبل الآخرين، حيث إنك من شدة حسنها ترى دموعها ترقرق في عين
سوداء لم يوضع فيها الكحل فهي فتاة بكر جميلة احتمت بالحياء، وإن تكلمت أصابت
مقصدها فهي زيادة إلى جمالها لا ينقصها الذكاء، فهذه الصفات التي ذكرها المجنون
تكمن في المحبوبة التي أحبها وتلوع في حبها، حيث أصبحت حياته جحيما بفراقها، وهذه
المعاني لا تخرج إلا عن شاعر مجرب ؛وذلك لمعاناته من آلام الحب فقصة ليلى والمجنون
أشهر قصة حب في التاريخ وماعاناه الشاعر من قسوة الفراق والبعد عن المحبوبة.
ويذكر
في موضع آخر بأن ليلى هي البدر؛ بل أجمل: ([33])
إني
لأجلس في النادي أحدثهم فأستفيق وقد
غالتني الغــــول
يهوي
بقلبي حديث النفس نحوكم حتى يقول جليسي
أنت مخبــول
قالوا
شبيهك لا يخفى على أحد ليلى الجمال
رضاها القصد والسول
ليلى
هي البدر مالي قط مصطبر عنها وإن كثرت
فيها الأقـــاويل
يبين الشاعر فيما سبق
من أبيات بأنه يجلس في النادي يحدث أناسه، ويصحو وقد أهلكته الداهية فيهوى حديث
النفس بقلبه نحوهم والمقصود نحو حبيبته ليلى ،فيقول جليسه: أأنت مخبول فيقولون له
من كان مثلك عاشقا لايخفى أمره على أحد، فليلى الجميلة هي من يقصد طالبا رضاها
والسؤال عنها فليلى هي البدر، ولا يستطيع المجنون صبرا على كتمان حبه وإن كثرت حول
بدره الأقاويل.
§ الخمــــر:
لقد
وصف المجنون ليلى بأوصاف ذهب بعيداً في وصفها، ومن وصفه إياها بالخمر حيث يقول:
هي
الخمر في حسن والخمر ريقها ورقة ذاك
اللون في رقة الخمر
وقد
جمعت منها خمور ثلاثـــة وفي واحد سكر
يزيد على السكر([34])
يصور
الشاعر ليلى بالخمر في حسنها وريقها وفي رقة لون الخمر رقة لونها وقد اجتمعت فيها
خمور ثلاثة وخمرة واحدة منها تسكر وأيما سكر.
ويخاطب الشاعر روحه كإنسان فيقول: ([35])
يا سرحة الروح أين الحي واكبدي لهفي تذوب وبيت الله من حسر
ها أنت عجماء عما سئلت فمـا بال المنازل لم تنطق ولم تجـر
يا قاتل الله غادات فرغن لنــا حب القلوب بما استودعن من حور
يخاطب
الشاعر هنا روحه على إنها شيء ناطق قائلا: ياسرحة الروح فوا كبدي ويالهف نفسي،
قسما ببيت الله إنها تذوب من لهف وإعياء، ويدعو الشاعر على فتيات اوجدن حبا في
قلبه، والمقصود ليلى ومن غيرها؟! فهي التي لوعت قلبه وجعلته إنسانا هائما تائها في
هذه الحياة.
ويضيف في نفس الأبيات: ([36])
بالله ياظبيات القاع قلن لنا ليلايَ منكن أم ليلى من البشر
يا ما أميلحَ غزلانا شَدَنَّ لنا من هاؤليائكن الضال والسمر
يصور
الشاعر العيون بالإنسان الذي يغني، حيث غنت عيون ليلى خلف البراقع، وهي بادية
كعيون الغزلان والبقر فيخاطبها الشاعر بالله عليكن ظبيات القاع قلن لي بان ليلى
ظبية منكن أم هي من البشر، وهنا نلحظ أن الشاعر أنطق الغزال وكأنه جلس يحدثه واخذ
بسؤاله ، وهنا جاءت هذه الصورة مكملة للمشاعر التي خاطب بها الشاعر روحه عندما قال
يا سرحة الروح .
وليلى
بالنسبة للشاعر هي روحه، فإن ذهبت روحه وعواطفه معها، فيقول بأنها عودة روحه فأنشد
هذه الأبيات التي قال فيها : ([37])
أجبت بليلى من دعاني تجــــلُّدا عسى أن كربي ينجلي فأعود
وترجع لي روح الحياة فإننـــي بنفسي لو عاينتني لأجــود
سقى حي ليلى حين أمست وأصبحت من الأرض منهل الغمام رعود
على كل حال إن دنت أو تباعـدت أنا كلف صب بها وعميـــد
فلا البعد يسليني ولا القرب نافعي وليلي طويل والسهاد شديـــد
أجاب
الشاعر هنا الذي طلب منه الصبر والتجلد لعل همه ينكشف عنه ويزول فيعود خليا ليس له
من مطلب سوى ليلى، حيث يقول لتعود إلي روحي فإنني بنفسي لو سألتني لأجود؛ أي
لوطلبت مني جدت عليك بنفسي ،وبسيف الغمام الممطر مصحوبا بالرعود حي ليلى ، فارضها
حين تمسي وحين تصبح، ويؤكد الشاعر بان قرب ليلى منه أو بعدها عنه لا ينسيه عشقها
وعذابها، فالقرب مثل البعد عنها فلا البعد ينسيه حبها ، ولا ينفعه قربها، فليله
طويل وأرقه شديد.
§
زينة الدنيــا:
يصف المجنون ليلى بأنها زينة دنياه ومن ذلك قوله: ([38])
ألا حبذا يوم يقر به الصَّبـا لنا و عشيات تجلت غيومهـا
بنعمان إذ أهلي بنعمان جيرة ليالي لا ترضى بلاد نقيمهـا
أيا جبلي نعمان بالله خلِِّــيا نسيم الصبا يخلص إلي نسيمها
أجد بردها أو تشف مني حرارة على كبد لم يبق إلا صميمهـا
يقول
الشاعر بأنه يحب ذلك اليوم الذي تهب منه ريح الصبا علينا في عشيات صافية من كل غيم
وبنعمان الذي كان جيرة لنا نقضي الليالي التي لا تقام في بلاد أخرى ، فيا جبلي
نعمان بالله عليكما، فريح الصبا يصلني نسيمها، فهو يخاطب الجبلين على أنهما كائنين
حيين، ويقول حتى أحس ببردها وتطفئ حرارة كبدي التي ذابت ولم يبق منها إلا حميمها،
فان ريح الصبا إذا ما تنسمت على نفس مهمومة جلت عنها همومها .
ونلحظ
أيضا في هذه الأبيات أن الأمسيات وساعات الضحى قد ذرت المجنون بلذاذة دنيا كان
يعيشها،فقد تولى عنه نعيمها، فيا زينة الدنيا التي تتحقق منها أمنياتي ولا يضيء
قلبي انبلاج صبحها، غرست بعيني قذاة من هواكي لو أن عيني تداوى بمن تحب وتهوى
الصمت وزال عنها سبب سقمها، وان الشوق ليشدني إليك كلما بدا اثر منك يدل عليك كما
ويحن الشاعر إلى كلما هببت ريح الصبا فهي زينة دنياي التي أعيشها.
§
الموت والحيـــاة:
أموت إذا شطّت وأحيا إذا دنت وتبعث أحزاني الصبا ونسيمها
فمن أجل ليلى تولع العين بالبكا وتأوي إلى نفس كثير همومها
كأن الحشا من تحته علقت به يد ذات أظفار فتدمى كلومها
يصور
الشاعر محبوبته بالحياة فبعدها عنه بالنسبة له يعني الموت، ودنوها منه هو الحياة،
حيث إن نسيم الريح الشرقية الداعمة تبعث في أحزانه وآلامه ،فمن اجل ليلى تولعت
عيناه بالبكاء،ومن أجل ليلى تأوت الهموم في نفسه، وكان يد ذات إظفار قد علقت بأحشائه
وأخذت تحكها حتى أدمت جراحها .
§
منى الكبد:
يقول لي الواشون ليلى قصيرة فليت ذراعا عرض ليلى وطولها
وان بعينيها – لعمرك – شهلة فقلت كرام الطير شهل عيونهـا
وجاحظة فوهاء لا بأس إنها منى كبدي بل كل نفسي وسولها
فدق صلاب الصخر سرمدا
فإني إلى حين الممات خليلهـا
يتضح
لنا من الأبيات السابقة قسم الشاعر وهذا القسم تأكيد على أن ليلى جميلة بقوله إن
في عينيها زرقة حينما قالوا له ذلك قال: كرام الطير عيونها زرق.
وقالوا
بأنها واسعة الفم جاحظة العينين، فيرد بأنها كبد وهي كل نفسي وكل ما اطلب من دنياي
،فاضرب أيها الواشي راسك بالصخر االقاسي فاني حتى الممات حبيبها وللأبد، وهنا تبدو
ليلى وكأنها قطعة من المجنون كيف لا؟! وقد ملكت عقله وفؤاده وروحه فأصبح وكأنه لا
يوجد في الدنيا إلا ليلى.
§
الخيال:
ومن
ذلك قوله: ([41])
عجبت
لليلى كيف نامت وقد غفت وليس
لعيني للمنام سبيـل
ولما غفت عيني وما عادة لهــا بنوم وقلبي بالفراق عليـل
أتاني خيال منكم ياليل زائــــر فكادت له نفسي الغداة تزول
خيال لليلى زارني بعد هجـــره و رام عتابي والعتاب يطول
يصور
الشاعر في هذه الأبيات خيال ليلى الذي زاره في منامه ،حيث يتعجب منها ويقول كيف
استطاعت أن تنام، وتغفو عينه لا يعرف النوم إليها سبيلا فلما تعبت عيناه، وليس من
عادتها وقلبه مريض بالفراق أتاه طيفها في المنام زائرا فكادت لأجله نفسه تزهق ،
فقد شبه الخيال بالصديق الحميم الذي زاره في هجر وأراد عتابه،وعلاقة ليلى بهذا
الخيال أنها ترافق الشاعر أينما يذهب فطيفها يستمر في مطاردته حتى أنه لا يعرف
النوم فليلى هي الخيال الذي زاره وشبهها به
وعاتبه وهنا يكون العتاب طويلا .
وهناك العديد من الصور والأوصاف التي
وصف المجنون بها محبوبته ليلى مثل وصف عيونها بالسهام ووصفه لحمامة رأى فيها ليلى
وغيرُها .
الفصل الثالث
أسلوب الشاعر
يتمثل أسلوب الشاعر
بالخصائص الفنية التالية:
1. الالتزام بالوحدة الموضوعية في سائر
القصيدة فقد وجدنا قصائد هؤلاء الشعراء تقتصر على الغزل دون الخروج إلى موضوع آخر
ويتعجب القارئ من هذه الوحدة الموضوعية التي لم يعهدها في الشعر الجاهلي فقد اتخذ
الشعراء الجاهليون الغزل على انه وسيلة إلى غاية أما شعراء الغزل العذري فاتخذوه
غاية لا وسيلة.
2. العناية بالعاطفة والحرص على تمثيلها
فاهم ما يتصف به الغزل العذري صدق العاطفة ومرارة الانفعال وفرق بين غزل الجاهليين
وبين غزل الأمويين فلم يكن الجاهليون يعنون في غزلهم بدخائل نفوسهم وبيان اثر الحب
وتأثيره في النفس وبالآلام المختلفة التي تنشأ عنه أي لم يعنوا بالعاطفة فجاء
غزلهم ماديا خالصا لا روح فيه. أما غزل الأمويين فقد عني الشعراء فيه بالحب وما
يتركه في القلب من اثر وما يبعثه في النفس من عاطفة فقد نظر شعراء الغزل للمرأة
على أنها شطر من النفس لا تطيب للنفس حياة إلا به.
3. شيوع الرومانسية الحالمة الحزينة
الشاكية فشعرهم يحلق الشاعر فيه في آفاق الخيال وهو يختلف عن الشعر الجاهلي ؛لأن
الشعر الجاهلي كان يعتمد على الواقعية.
وتتضح
الرومانسية عند المجنون في مناجاته لليلى قائلا:
أعد الليالي ليلة بعد
لــيلة وقد عشت دهرا لا اعد اللياليـا
واخرج من بين البيوت
لعلني أحدث عنك النفس بالليل
خاليـا
أراني إذا صليت يممت
نحوها بوجهي وان كان المصلى
ورائيا
ومابي إشراك ولكن حبــها وعظم الجوى أعيا الطبيب المداويا
خليلي ما أرجو العيش
بعـدما أرى حاجتي تشترى ولا تشترى ليا
فأنت التي إن شئت
أشقيت عيشتي وأنت التي أن شئت أنعمت
بالـيا
وأنت التي ما من صديق
ولا عدى يرى نضو ما أبقيت إلا رثى ليا([42])
4.
سهولة
الألفاظ وجمال الأسلوب:
فألفاظ
الغزل العذري بسيطة سهلة لا تعسف فيها ولا تكلف بعيدة عن الحواشي والغريب ،حيث لا
تحتاج إلى معاجم ، وذلك لأن صنعها المشاعر وهذه البساطة تتعدى الألفاظ إلى
التراكيب، فإذا بها تساير سهولة الألفاظ بلا تكلف والتواء هذا مع متانة وجزالة
بدوية لا خفاء فيهما ، وهنا تكمن براعة الشاعر العذري في الصنعة ، إذ يبدو للمطلع
أن الشاعر العذري لم يبذل كبير الجهد في نظم شعره ، وإنما كان همه الإفصاح عن حبه
العفيف بأقرب لفظ وعبارة وامتاز أسلوب المجنون في غزله بالروحانية الصافية ، حيث
فيه القيم الروحية لأنه نشأ في مجتمع تشرب بالإسلام وأضمرت فيه روحه، وهذا ماجعل
المتصوفة يعشقون الحب العذري ويتداولونه بالدراسة حيث ، إن المتصوفة درسوا معظم
الشعر العذري وتأثروا به في حبهم الصوفي ، ووجد الصوفية في تسامي مجنون ليلى
بعاطفته في أشعاره وأخباره مجالا خصبا لخيالهم وأفكارهم كما وجد شعراؤهم في الغزل
العفيف مادة طيبة أخذوا منها أفكارهم للتعبير عن حبهم الإلهي وتوجهاتهم الروحية([43]).
4.موسيقى
شعر المجنون :
من
أكثر البحور الشعرية التي استخدمها مجنون ليلى في قصائده هو بحر الطويل ، وذلك لأن
البحر الطويل يناسب الحوار القصصي في الشعر، وليس لهذا البحر مجزوء ويسمى شيخ
البحور ؛ لأنه أكثر البحور الشعرية التي نظم عليه الشعراء شعرهم فلا تكاد تجد
قصيدة قديمة أو حديثة إلا نظمت على هذا البحر فهو أقرب إلى الأسلوب القصصي . هذا
وقد استخدم المجنون في ديوانه بحورا أخرى كالوافر والكامل والبسيط وغيرها.
5. محاورة الطبيعة أو (التشخيص) وذلك عندما
أسقط مشاعره ، وأحاسيسه على الجبل من خلال الحوار الذي دار بينهما في قوله :
وأجْهــشْت
للتوباد([44])
حِينَ رأيْـتهُ
|
وهلل
للرحمن حيــن رآنــي
|
وأذْرَيْتُ
دَمْعَ العينِ لما رأيتـــهُ
|
ونادَى
بأعْلَى صَوْتِهِ ودَعَـــانِي
|
فقلْت
له أين الذيِن عَهِــــدتهم
|
حواليك
في خصب وطيب زمـان؟
|
فقال
مضوا واستودعوني بـلادهم
|
ومن
ذا الذي يبقى مع الحـــدثان
|
وختاما:
بعد رحلة في ربوع الشعر العذري ظننتها طويلة وإذ بها قصيرة ذلك؛لأن الغزل العذري
غزل واسع ممتد بدأت تباشيره في العصر الأموي وصل إلى أوجهه في هذا العصر السالف
الذكر وكان من هؤلاء الشعراء مجنون ليلى وقيس لبنى وجميل بثينة وغيرهم من الشعراء
ممن نهجوا هذا النهج في نظم الشعر العذري.
ورأينا
نهج هذه المدرسة من خلال دراستنا وما أبدعته في شعرها وكان من ذلك الشاعر مجنون
ليلى الذي يعتبر من رواد هذه المدرسة فقد نظم الشاعر في العديد من الأغراض الشعرية
وكيف أن لغته كانت بسيطة يوجد بها شيء من الروحانية والصور التي صور بها محبوبته
والتي تنبع من صميم القلب.
والله أسأل وبنبيه
أتوسل أن يوفقني لطريق الصواب ،فما كان من تقصير فمني ومن الشيطان وما كان من
توفيق فمن الله عز وجل وحده .
المصادر والمراجع
والدراسات والأبحاث والمجلات
1. الأصفهاني،أبو الفرج،الأغاني، م2، دار صادر:
بيروت.
2. درويش ،عدنان زكي، ديوان مجنون ليلى،دار صادر:
بيروت ، 1994م
3. ابن قتيبة ، أبو محمد بن عبد الله بن مسلم
،الشعر والشعراء، د.ط ، دار الحديث :القاهرة،1423هـ، ج2،
4. الجاحظ ، عمر بن بحر ،البيان والتبيين
،تحقيق:عبد السلام هارون،ط2، مكتبة الخانجي :القاهرة،1423هـ، ج2
5. ضيف ، شوقي ، الحب العذري عند العرب ، ط1 ،
الدار المصرية اللبنانية : القاهرة ، 1419هـ - 1999م
6. الجويدي، درويش، ديوان مجنون ليلى، د،ط،المكتبة
العصرية:بيروت، 1430هـ -2009م
7. الوالبي،أبو بكر ،ديوان قيس بن
الملوح،تحقيق:عبد الغني يسري ،ط1 ،دار الكتب العلمية :بيروت،1420هـ - 1999م،
8. الكحلوت ،يوسف، محاضرات في الأدب الإسلامي
والأموي،من كتاب أدب ونصوص من العصر الأموي لمحمد عبد القادر أحمد ،1430هـ - 2009م،
9. .فاروق
عبد العليم مصطفى،الملامح الرومانسية في شعر مجنون ليلى (عرض ودراسة)،كلية الدراسات
العربية والإسلامية،جامعة الأزهر
10.
القط
، عبد القادر ، في الشعر الإسلامي والأموي ،د . ط ،دار النهضة العربية : بيروت ،
1407 هـ - 1987م .
الفهرست
الموضوع
الصفحة
|
صفحة
الغلاف 1
|
البسملة 2
|
آية قرآنية 3
|
الإهداء 4
|
الشكر والتقدير 5
|
المقدمة 6
|
الفصل الأول : مجنون ليلى
|
7
|
التعريف بالشاعر 8
|
قبيلته 9
|
التعريف
بمحبوبته 9
|
الأغراض
الشعرية للشاعر 10
|
الفصل الثاني : صورة المحبوبة في شعر مجنون ليلى 14-
27
|
الفصل
الثالث : أسلوب الشاعر
28- 30
|
قائمة
المصادر والمراجع
32
|
و آخر
دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
[1] ) الأصفهاني،أبو الفرج،الأغاني، م2، ص 5-6.
[3] ) المصدر السابق، ص246.
[15] ) درويش ، ديوان المجنون
،مرجع سابق.ص129.
[16] ) المصدر السابق ، ص132.
[17] ) الخشف :بكسر الخاء
وتسكين السين ،ويعني ولد الظبي.
[18] ) فرائص : مفردها فريصة :
وهي اللحمة بين الثدي والكتف تُرعد عند الفزع . يقال: ارتعدت فرائصُه ؛أي فزع فزعا
شديدا.
[19] ) درويش ، ديوان المجنون ، ص150.
[20] ) التلاع : بتشديد التاء مع كسرها ومفردها تلعة ؛
وهي ما علا من الأرض.
[21] ) الخمش : الخاء مكسورة ،وهو الخدش ،الشق.
[22] ) الكراع : ما دون الكعب عند الدواب.
[23] ) درويش ، ديوان المجنون ، ص166.
[24] ) المصدر السابق ، ص180.
[25] ) الكبول : يقال إنسان
مكبل ؛أي غير قادر على تحريك يديه أو رجليه.
[27] ) الترائب : واحدها تريبة
،وهي عظمة الصدر.
[28] ) النحر: أعلى الصدر.
[29] ) عدنان زكي درويش ،ديوان
المجنون،ص92-93.
[30]) عدنان زكي درويش ،ديوان المجنون،ص117- 118.
[31]) عدنان زكي درويش ،ديوان
المجنون،ص154.
[32]) المرجع نفسه ، ص83.
[33]) عدنان زكي درويش ،ديوان المجنون ،ص171 – 172.
[35]) المرجع نفسه ، ص 126.
[37]) المرجع نفسه ، ص69.
[38]) عدنان زكي درويش ،ديوان المجنون ، ص193.
[39]) عدنان زكي درويش ،ديوان المجنون ، ص195.
[40]) المرجع نفسه ، ص223.
[41]) عدنان زكي درويش ،ديوان المجنون ، ص171.
[43]) الكحلوت، ،يوسف، محاضرات
في الأدب الإسلامي والأموي، من كتاب أدب ونصوص من العصر الأموي لمحمد عبد القادر أحمد
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق